لماذا لا تدسترون الأمازيغية بعد مئة عام؟


يجب أن ننتظر 15 سنة أخرى كي تصير الأمازيغية لغة رسمية للدولة. يا له من إنجاز حكومي غير مسبوق..لم نكن نتوقع إطلاقا أن يرسمها ابن كيران في ظرف عقد ونصف فقط، فالذي انتظر أكثر من 60 سنة ليعترف الدستور بلغته التي يلهج بها المغاربة في الجبال والمدن، كان يتوقع على الأقل أن ينتظر ستين 40 سنة أخرى ليقفل مسيرة قرن من الجحود والغبن والإقصاء مرة تحت يافطة حسابات عرقية وتاريخية سخيفة وتارة أخرى بمبرررات هوياتية إن لم تكن سخيفة أيضا، فإنها تبعث على الضحك، أما القصة الغريبة في تاريخ نضال الأمازيغ من أجل الحصول على حقوقهم الثقافية والسياسية، فقد اخترعها نظام الحسن الثاني ووزير داخليته الذي اجتهد كثيرا في تكميم أفواه الأمازيغ في التلفيزيون وفي المسارح وفي الجامعات..
من الطبيعي أن يقول المغاربة بعد كل هذا الحصار الذي ضرب على الثقافة الأمازيغية إن إرثهم لا يتعدى بعض الأرداف التي تهتز في المناسبات الرسمية وغير الرسمية وبعض الدفوف والمزامير بألحان غريبة وعجيبة، سيما وأن الإعلام رسمي نجح إلى حد بعيد في نحت هذه الصورة، ولذلك لا يمكن أن نلوم البعض ممن كون ثقافة سطحية عن الأمازيغية.
وباسم نقاء العرق والانتماء إلى الشرق هاجمت فئة غير قليلة الأمازيغية، إذ وصل الأمر حد ابتداع سياسية للتعليم تسمى التعريب، وكان من نتائج ذلك أن جزء كبيرا من المغاربة- منهم كاتب هذه السطور- لم يتعلم اللغة الدارجة إلا في وقت متأخر بالإضافة إلى طمس هوية مغربية موغلة في العراقة، واختصارها في مجرد كلام غير مفهوم ينتمي إلى"وحشي الكلام" كما كان يقول اللغويون العرب أيام الشعر الجاهلي.
حاصرت الدولة الأمازيغية في الجامعات، ورفضت بمنطق العرق الصافي أن تعترف أن المغرب يكسب قوته من هذا الغنى الثقافي والهوياتي، بل وأمعنت في إحصاء أنفاس المناضلين وتعقب حركاتهم وسكناتهم وإغلاق جمعياتهم، وفي لحظة من لحظات سعار البصري، اعتقل سكان مدينة كلميمة عن بكرة أبيها فقط لأن أحدهم خط على جدار مقولة منددة بقرار الحسن الثاني إلغاء الأضحية في العيد. كانت الفرصة مواتية للدولة، في تلك الفترة لتقضي على معقل أساسي استنبت ثقافة الدفاع عن الحقوق الأمازيغية.
حين اعتلى الملك محمد السادس العرش وجد تركة ثقيلة جدا توارثها عن والده في ملفات بالغة الحساسية في مقدمتها قضية الثقافة الأمازيغية، وبدا واضحا أنه ثمة رغبة للقطع مع سياسة الإقصاء الهوياتي التي اجتهد إدريس البصري في تنفيذ بنودها. على هذا الأساس جاء خطاب أجدير الذي نص على إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كخطوة أولى لإدراج اللغة الأمازيغية في مفاصل الدولة.
نجح"الإيركام" في التقعيد العلمي للحرف الأمازيغي رغم كل الجدل الذي أثير حول الموضوع ونجح أيضا في مراكمة منجز كبير يرتبط بالعلوم الإنسانية، لكنه في نفس الوقت تحول إلى مؤسسة بروتوكولية جامدة غير قادرة على المبادرة والابتكار أيضا، وحتى في معركة الدستور التي شكلت محكا أساسيا للمدافعين عن الأمازيغية، قدم مذكرة تقنية عن الثقافة الأمازيغية ولم يصدر موقف سياسي واحد من أجهزتها حينما رفض الاستقلال والبيجيدي أن تصبح اللغة الأمازيغية رسمية إلى جانب اللغة العربية.
في خطاب9 مارس أصبحت اللغة الأمازيغية رسمية بقوة أسمى وثيقة في الدولة أنهت عقودا طويلة من الصراع المرير للمثقفين والسياسيين الأمازيغيين الذين رأوا في إقصاء لغتهم نوعا من الإقبار الهوياتي والتكريس الممنهج للأحادية الثقافية. بعد مرور أكثر من أربع سنوات عن هذا الإقرار، ظهر بالدليل القاطع أن التردد ما يزال ميسما رئيسا في تعاطل الحكومة والقصر على حد سواء مع الأمازيغية، إذ كيف نفسر أن حزب التجمع الوطني للأحرار قدم قانونا أمام البرلمان يتعلق بالأمازيغية ثم سحبه لأننا في دولة تؤمن بلغة الإشارات.
قبل مدة كتبنا في هذه الزاوية إن الحركة الأمازيغية ارتكبت خطأ استراتيجيا لا يغتفر حين استفرغت كل جهدها للدفاع عن الحقوق الثقافية للأمازيغ وكأن لغتهم في منزلة دنيا، واستل"حراس المعبد" أسلحتهم وقالوا لنا إن هذا "مكر مكرتموه في البلاد"..
يجب أن تفهم الدولة أن اللعب بالنار في قضايا هوياتية سيفضي إلى نتائج عكسية تماما..يكفي أن تستدير قليلا إلى دول الجوار لتدرك عمق الدرس وقساوته.

ليست هناك تعليقات